المادة    
أصل الدين عند هؤلاء الشيعة الإمامية الإثني عشرية الرافضة الموجودين اليوم، وأصل كل الأصول عندهم هو الإمامة وما يتعلق بالإمام؛ فكل العبادات والعقائد والأعمال والدعوة مرتبطة بالإمامة، فما من شيء عندهم إلا ويتفرع عن الإمامة.
وهناك كتاب يتناول هذا الموضوع بالتفصيل وهو: أثر الإمامة في الفقه الجعفري، وهو مفيد جداً في معرفة الشيعة وخاصة ارتباط عقائدهم بالإمامة، لمؤلفه الدكتور علي السالوس، فقد جمع فيه كلامهم في هذه المسألة.
وسوف نأتي بمصادرهم المعتبرة عندهم، وننقل كلامهم في هذا الموضوع، وسنأخذ كتاباً من تأليف الخميني، ولن نقدم عليه كتاباً غيره؛ لأننا لو قلنا: قال النوبختي، وقال فلان من أئمتهم، لقيل لنا: هذه عقائد الشيعة المتقدمين، أما الشيعة اليوم، فهم معتدلون ومتفاهمون ومتقاربون، وإن جئنا بكتاب من كتب المعاصرين، قالوا: هذا لا يمثل حقيقة الشيعة؛ وقد أخطأ في فهم كلامهم، أو فهم كلامهم خطأً.
أما الخميني فهو حجة المعاصرين منهم، وهو ينقل عن الأولين بنفسه، ويقر ذلك النقل ويشرحه في كتبه.
ونحن حين ننقل كلامه وننقده، لا نكون قد تجنينا عليهم أو ظلمناهم، ولن يستطيع أحد منهم أن يدعي ذلك علينا.
ونحن على كل حال لا نظلم أحداً، لكننا زيادة في قطع ألسنتهم، وإقامة الحجة عليهم ننقل كتاب إمامهم الأعظم.
والمسألة عندنا لا تتعلق بهذا الرجل لذاته لكونه فقيهاً أو زعيماً، وإنما نحن نقيم الحجة العلمية، ونرد الشبهة بالبرهان العلمي، فالمسألة مسألة بحث علمي، وسواء كان الرجل حياً أو ميتاً، زعيماً أو غير زعيم، فهو يخضع للمقاييس العلمية التي ينظر بها إلى أي إنسان كائناً من كان، وكل يؤخذ من قوله ويرد -في منهجنا أهل السنة - إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك فسنأخذ كلامه ضمن المعايير العلمية المجردة، وبعد ذلك سنجد آثار هذا الضلال -بل الكفر- في حياة هذا الرجل وفي دعوته وفي ثورته، وفي حياة أتباعه وأعمالهم، والذي يهمنا من ذلك هو ما قاله في حق الله تعالى وفي حق رسوله صلى الله عليه وسلم وفي حق هذا الدين.
وعنوان هذا الكتاب: مصباح الهداية إلى الخلافة والولاية، تأليف سماحة آية الله العظمى الإمام الخميني دامت بركاته، قدم له السيد أحمد، طبع مؤسسة الوفاء - بيروت - لبنان، كافة الحقوق محفوظة ومسجلة، الطبعة الأولى (1403هـ- 1983م) أي بعد الثورة، وبعد أن أصبح زعيم الرافضة في العالم.
  1. تأثر الخميني بكلام الفلاسفة والحلولية والاتحادية في إثباته للإمامة

    قيل الدخول في مناقشة أقوال الخميني في الكتاب، نورد ما ذكره المصنف رحمه الله من أقوال الفلاسفة في النبوة حيث قال:
    "والقرآن عندهم فيض فاض من العقل الفعال على قلب بشر زاكي النفس طاهر، متميز عن النوع الإنساني بثلاث خصائص:
    قوة الإدراك وسرعته، لينال العلم أعظم مما يناله غيره.
    وقوة النفس، ليؤثر بها في هيولى العالم بقلب صورة إلى صورة.
    وقوة التخييل، ليخيِّل بها القوى العقلية في أشكال محسوسة، وهي الملائكة عندهم! وليس في الخارج ذات منفصلة تصعد وتنزل، وتذهب وتجيء، وترى وتخاطب الرسول".
    وقد أتى الخميني في بداية كتابه بكلام مبني على كلام الفلاسفة وأصحاب وحدة الوجود، ثم بدأ بعد ذلك بالحديث عن الإمامة وبيان أهميتها عندهم.
    يقول الخميني في المصباح : "وإذا انكشف على سرك أن هذه الحقيقة الغيبية أجل من أن ينال بحضرتها أيدي الخائضين، ويستفيض من جناب قدسها أحد من المستفيضين، ولم يكن واحد من الأسماء والصفات بما لهما من التعينات محرم سرها، ولم يؤذن لأحد من المذكورات دخول خدرها، فلابد لظهور الأسماء وبروزها، وكشف أسرار كنوزها من خليفة إلهية غيبية".
    يعني: دمنا قد اتضح لدينا أن حقيقة الذات الإلهية لا يمكن أن تنال ولا يطلع عليها أحد، ولا يكتشف صفاتها أحد...إلخ، فلما كان كذلك فلابد لظهور الأسماء" أي: أسماء الله تعالى "وبروزها، وكشف أسرارها وكنوزها، من خليفة إلهية غيبية، يستخلف عنها حبه في الأسماء، وينعكس نورها في تلك المرايا، حتى تنفتح أبواب البركات، وتنشق عيون الخيرات، وينفلق الصبح الأزل، ويتصل الآخر بالأول"، إذاً لابد من واسطة بين هذه الحقيقة الغيبية، وهي الذات الإلهية وبين الموجودات والكائنات، وهذه الحقيقة التي يصفها بأنها بروز وظهور وتجلي للأسماء والصفات الإلهية، التي ذكر منها الرحمن والرحيم والاسم الأعظم، حتى يتم الاتصال بالعالم، وهو قوله: "ويتصل الآخر بالأول"، ثم يقول: "فصدر الأمر باللسان الغيبي من مصدر الغيب على الحجاب الأكبر، والفيض الأقدس الأنور، بالظهور في ملابس الأسماء والصفات، ولبس كسوة التعينات"، التعينات: هو وجود الأعيان، أي: وجود الشيء المعين -هذه سماء وهذه أرض- "فأطاع أمره وأنفذ رأيه" الذي كان حجاباً قدسياً أصبح تعينات خارجية، وهي تعينات للأسماء والصفات الإلهية.
    يقول: "هذه الخليفة الإلهية، والحقيقة القدسية التي هي أصل الظهور، لابد وأن يكون لها وجه غيبي إلى الهوية الغيبية، ولا تظهر بذلك الوجه أبداً" أي لها وجهان: وجه غيبي يتعلق بالذات الإلهية، ولا يظهر بهذا الوجه أبداً في الواقع "ووجه إلى عالم الأسماء والصفات يتجلى فيها ويظهر في مراياها في الحضرة الواحدية الجمعية"، وكما هو معلوم عند أصحاب وحدة الوجود أن الموجود هو عين الخالق، والخالق عين المخلوق، وقد قال ابن عربي -وكلام الخميني هنا مثل كلامه- عندما قرأ : ((الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى))[طه:5] قال: (كيف استوى وما ثم إلا هو؟) بمعنى: أن الله هو العرش وهو المستوي، وأن العبد رب والرب عبد -تعالى الله عما يصفون- وقد اتفق على كفر أصحاب هذا القول جميع أهل الملل من اليهود والنصارى، وغيرهم من أهل الأديان.
    يقول: "مصباح؛ أول ما يستفيض من حضرة الفيض والخليفة الكبرى حضرة الاسم الأعظم" -أي أن اسم الله- فيض من الأسماء والصفات، "بحسب مقام تعينه باستجماع جميع الأسماء والصفات، وظهوره في جميع المظاهر والآيات"، أي أن أول اسم من الأسماء يظهر في هذا الحجاب أو الروح القدسية هو اسم الله -تعالى الله عما يصفون- وتتعين فيه الحقيقة الذاتية الغيبية "فإن التعين الأول للحقيقة اللامتعينة هو كل التعينات والظهورات، ولا يرتبط واحد من الأسماء والصفات بهذا الفيض الأقدس إلا بتوسط الاسم الأعظم" أي أن: الاسم الأعظم هو الواسطة بين الأسماء وبين هذه الحضرة، والحضرة بينهما وبين الذات القدسية... ثم يضرب مثلاً فيقول: "أول ما ظهر من مظاهر الاسم الأعظم مقام الرحمانية والرحيمية"، أي: ظهر من الاسم الأعظم (الله) أسماء، يقول: "مقام الرحمانية والرحيمية الذاتيتين، وهما من الأسماء الجمالية" فالأسماء عندهم جلالية وجمالية وغير ذلك، "الشاملة على كل الأسماء، ولهذا سبقت رحمته غضبه، وبعدهما الأسماء الأخر من الأسماء الجلالية بحسب مقاماتها" ثم يقول: "مصباح، هذه الخلافة هي الخلافة في الظهور والإفاضة والتعين بالأسماء، والاتصاف بالصفات من الجمال والجلال لاستهلاك التعينات الصفاتية والأسمائية في الحضرة المستخلف عنه، وانتفاء كل العلميات في مقام عينه، وعدم الحكم لواحد منها وعدم الظهور لها، فهذه الخليفة الإلهية ظاهرة في جميع المرايا الأسمائية، منعكسة نورها فيها حسب قبول المرآة واستعدادها، سارية فيها سريان النفس في قواها، متعينة بتعيناتها".
    ثم يقول بعد هذا الكلام: "اعلم أيها الخليل الروحاني وفقك الله لمرضاته، وجعلنا وإياك من أصحاب شهود أسمائه وصفاته: أن هذه الخلافة من أعظم شئونات الإلهية، وأكرم مقامات الربوبية، وباب أبواب الظهور والوجود، ومفتاح مفاتيح الغيب والشهود، وهي مقام العندية التي فيها مفاتيح الغيب التي لا يعلمها إلا هو، بها ظهرت الأسماء بعد بطونها، وضربت الصفات غب كمونها، وهذه هي الحجاب الأعظم الذي يعدم عنده كل صغير وكبير، ويستهلك لدى حضرته كل غني وفقير، وهذه القضاء اللايتناهى الذي فوق العرش الذي لا خلاء فيه ولا ملأ، وهذه سبحات وجهه التي لو كشفت الحجب النورانية والظلمانية لأحرقت ما انتهى إليه بصره، فسبحانه ما أعظم قدره، وأجل شأنه، وأكرم وجهه، وأرفع سلطانه، سبوح قدوس رب السماوات الأسمائية والأراضي الخلقية" وهذه كلها تأويلات، إلى أن يقول: "فيا عجباً للخفاش يريد أن يمدح شمس الشموس الطالعة، وحرباء يصف البيضاء القاهرة الساطعة"
    إن هذا الكلام مثل:
    ما وحد الواحد من واحد إذ كل من وحده جاحد
    توحيد من ينطق عن نعته عارية أبطلها الواحد
    توحيده إياه توحيده ونعت من ينعته لاحد
    هذا هو مقصوده.. أي: من الذي يستطيع أن يصف الله وأن يسميه؟ يقول: إن الذي يريد أن يصف الله مثل الخفاش عندما يريد أن يصف الشمس، ولهذا لا يصفون الله تعالى بشيء، وهذه من العجائب! فـالخميني ليس فقط معتزلياً، بل هو أيضاً من أصحاب الفلسفة الإشراقية التي كان عليها ابن عربي وأمثاله، فقد غلا هؤلاء الفلاسفة حتى إن المعتزلة كفروهم؛ لأن هؤلاء الفلاسفة يقولون: إن الله لا يوصف بشيء، وإن من حاول وصف الله أو تسميته، فإنما مثله كالخفاش الذي يحاول أن يمدح الشمس.
  2. اشتراك الشيعة والصوفية في اعتقاد أن الحقيقة المحمدية هي أصل كل الموجودات

    وقبل أن نبدأ بسرد كلامه في الحقيقة المحمدية، فإن هناك حقيقة يجب أن نتنبه لها، وهي أن الصوفية والشيعة كلتاهما تنطلقان من هذه النقطة التي هي كفر بواح.
    يقول: "هذه الخلافة هي روح الخلافة المحمدية، وربها وأصلها ومبدؤها، منها بدأ أصل الخلافة في العوالم كلها، بل أصل الخلافة والخليفة والمستخلف إليه، وهذه ظهرت تمام الظهور في حضرة اسم الله الأعظم، رب الحقيقة المطلقة المحمدية، أصل الحقائق الكلية الإلهية، فهي أصل الخلافة، والخلافة ظهورها بل هي الظاهرة بهذه الحضرة باتحاد الظاهر والمبدع كما أشار إليه في الوحي الإلهي إشارة لطيفة في قوله تعالى: ((إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ))[القدر:1]، وقال شيخنا" وهنا ينقل الخميني عن شيوخه حتى لا يقال: إن المتقدين من الرافضة غير المتأخرين "وقال شيخنا وأستاذنا في المعارف الإلهية الكامل المرزا محمد علي الشاه آبادي الأصفهاني أدام الله بركاته، في أول مجلس تشرفت بحضوره، وسألته عن كيفية الوحي الإلهي".
    الخميني في أول جلسة عند هذا الشيطان الأصفهاني، سأله عن كيفية الوحي الإلهي.
    يقول الخميني ناقلاً جواب شيخه: فقال في ضمن بياناته: إن الهاء في قوله تعالى: ((إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ)) إشارة إلى الحقيقة الغيبية النازلة في بنية المحمدية التي هي حقيقة ليلة القدر".
    وهذا تفسير باطني صرف، وليس إشارياً، فإن التفسير الإشاري هو تفسير الصوفية، والتفسير الباطني شر دركات الكفر.
    وعند الصوفية والشيعة أن الحقيقة المحمدية أصل جميع الموجودات، فإن من طقوسهم أنهم يقرءون مولد الميرغني كلما جاء ربيع الأول، فيجتمعون على الموائد والولائم ثم يقرءونه، وفيه: أن أول الموجودات وأول المخلوقات هي الذات المحمدية، هو نور محمد، كما جاء في الحديث الموضوع الذي رواه عبد الرزاق الصنعاني في مصنفه عن جابر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر }، فأخذوا هذه الكلمة، وأدخلوا فيها كلاماً فلسفياً -وسيأتي نقل الخميني لكلام أرسطو - فهو كلام كفار فلاسفة اليونان الذين عرضنا كفرهم فيما مضى، فهم ما وضعوا هذه الأحاديث إلا ليدللوا بها على كلام أولئك الكفار من اليونان.
    والباطنية إنجيلهم المعتمد عندهم هو كتاب رسائل إخوان الصفا، وهذا الكلام هو مقتضى ما في كتاب رسائل إخوان الصفا ويكاد يكون بالنص في بعض الأمور، وهو عين كلام كفار فلاسفة اليونان، ثم جاء الخميني وأخذه منهم.
    والصوفية والشيعة يلتقيان عنده.
    فأول المخلوقات والواسطة -الذي يقابل العقل الفعال عند الفلاسفة - بين الخلق وبين الذات وبين الصفات أيضاً ومظهر صفات الله هو الحقيقة المحمدية تعالى الله عما يصفون.
    وهذا يتضح أكثر عند النصارى، فعندما تسمع كلامهم في إذاعة الإنجيل حين يقولون: الرب جاء، والرب أمر... فمن يعنون بهذا الرب؟ إنهم يعنون به المسيح عيسى، أما الرب الذي فوق العرش والذي خلق المسيح فلا يتعرضون له... لماذا؟ يقولون: لأن الرب تعين في المسيح وحل فيه، وحقيقة الرب هو وجود الشخص المجسد، وقد تجسد الرب في شكل عيسى، أو كما يقولون: حل اللاهوت في الناسوت.
    وفي مقابلهم قام هؤلاء الصوفية والشيعة، وأثبتوا الحقيقة المحمدية، فهم يقولون أن الله حل أو تجسدت حقيقته وذاته في محمد صلى الله عليه وسلم، ومن هنا فالحقيقة المحمدية عندهم هي أصل الكائنات وأول الموجودات، وهي الخليفة المستخلفة، وهي مظهر وتجلي أسماء الله وصفاته، ثم بعد ذلك يتفرع عنها الخليفة الذي هو خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الوصي عندهم، وهو علي، ثم من بعده من الأوصياء.
    وبهذا نستطيع أن نفهم لماذا يقولون: إن الأئمة يعلمون الغيب، ويعلمون ما كان وما يكون، وهم الذين يدبرون الكون؛ لأن أصل القضية عندهم يبدأ من هذه الحقيقة المحمدية، ونحن بمعرفتنا لهذه البدايات عندهم، فإننا سنعرف يقيناً أي عقيدة يدين بها هؤلاء الذين يخدع بهم البعض منا، ويقولون: إن الفرق بيننا وبينهم فقط أنهم يفضلون ويحبون علياً، ونحن نحب أبا بكر وهذا مما لا ينبغي أن يقع فيه أحد ممن ينتسب إلى أهل السنة والجماعة.